Page 74 - web
P. 74
موضوع العدد مقالات وآراء
التحديات الأمنية والفكرية للإعلام الرقمي د .عبد الله بن عبد المحسن العساف
المملكة العربية السعودية
الإنسان بطبعه مخلوق اجتماعي يميل إلى العيش وسط جماعة معينة يشعر معها بالأمن
والاستقرار والطمأنينة ،تشبع لديه غريزة الانتماء ،وتبني شخصيته بقيمها ،ويتشرب منها 74
المعايير الاجتماعيـة والخلقيـة والاتجاهـات النفسـية المهمـة ،ويتعلـق بأعضائهـا ،ويقيـم معهـم
علاقات متبادلة ،وحينما لا يستطيع أن يقيم هذا التعلق فإن علاقته بأعضاء الجماعة تتأثر
سل ًبا فينسحب بعي ًدا عنهم ويعيش في وحدة وعزلة.
وهو ما أثبتته الكثير من الدراسات التي أكدت أن العزلة الاجتماعية تمثل مظه ًرا من مظاهر
السـلوك الإنسـاني لـه تأثيرات خطيرة على شـخصية الفـرد وعلاقتـه بالآخريـن وانعـكاس ذلـك
على عـدم قدرتـه على الانخـراط في العلاقـات الاجتماعيـة ،فقـد يتجـه دون وعـي منـه إلى بيئـة
افتراضيـة أفرزتهـا التحـولات التقنيـة ،واسـتخدمتها بكفـاءة التنظيمـات الإرهابيـة معتمـدة
على جاذبيتهـا ،ومـا تتميـز بـه وسـائل التواصـل الاجتماعـي مـن سـهولة اسـتخدامها ،وتنـوع
محتواها ،وتعدد مستخدميها ،وغياب الرقابة إلى حد كبير ،كل هذه الأمور وغيرها جعلت
الشـباب ينجذبـون إليهـا دون سـواها ،بـل ويتحولـون إلى مدمنين عليهـا فاقديـن إحساسـهم
بعالمهـم الحقيقـي.
وفي وقتنـا الحاضـر أصبحـت تقنيـات الاتصـال ونقـل المعلومـات رافـ ًدا أساسـ ًيا ،ورك ًنـا مه ًمـا
في بنـاء منظومـة الإنسـان الاجتماعيـة ،والاقتصاديـة ،والسياسـية ،والثقافيـة والفكريـة ،في
ظـل التحـولات والتطـورات المعرفيـة في هـذا العصـر الـذي شـهدت فيـه المجتمعـات الإنسـانية
تطـورات متسـارعة ومتلاحقـة لتكنولوجيـا الاتصـالات والمعلومـات ،التـي أسـهمت في تسـهيل
إمكانيـة التواصـل الإنسـاني والحضـاري ،مـن خلال شـبكة «الإنترنـت» التـي تسـببت في ظهـور
مـا يعـرف بـ (المجتمـع الافرتاضي) الـذي أصبـح لـه وجـوده المؤثـر على تفاعلات المجتمـع الواقعـي
الذي نعيش فيه ،حيث صار بإمكان الفرد أن يتواصل ويناقش مع فرد أو أفراد آخرين دون
سـابق معرفـة بينهـم قضايـا اجتماعيـة وسياسـية واقتصاديـة ودينيـة وغيرهـا ،ويتبـادل معهـم
الأخبـار والصـور وأفلام الفيديـو؛ ممـا سـاعد على تكويـن صداقـات متعـددة ومتنوعـة يشـكل
فيهـا الشـباب النسـبة العظمـى ،كمـا تشير إلى ذلـك بعـض الدراسـات ،تجمعهـم عـدد مـن
الصفـات والتوجهـات المشرتكة والمتحـررة مـن القيـود بجميـع أشـكالها ،تبلـور عنهـا مجموعـات
حـول مختلـف القضايـا التـي كان لهـا انعكاسـاتها وآثارهـا الواسـعة على الصعيـد الفـردي
والأسـري والمجتمعـي ،وقـد أدى هـذا إلى شـيوع أنمـاط جديـدة ومتزايـدة مـن السـلوكيات
والقيـم الاجتماعيـة التـي أثـرت وبشـكل واسـع في عمليـة التفاعـل الاجتماعـي ،سـواء على
المسـتوى الفـردي أو الجماعـي فقـد م ّثـل الإعلام الجديـد فرصـة للمجتمعـات والثقافـات
أن تقـدم نفسـها للعالـم ،وقـد أدى تنـوع تطبيقـات تكنولوجيـا الاتصـال واختلاف مهامهـا
ووسـائل التعامـل معهـا إلى تحولهـا لوسـيلة جـذب فئـات متنوعـة مـن الجمهـور على اختلاف
أعمارهـم واهتماماتهـم ،ولعـل أبـرز تلـك التطبيقـات التـي جذبـت فئـة الشـباب هـي وسـائل
التواصـل الاجتماعـي ،التـي أصبحـت منصـة تجاريـة وترفيهيـة وتعليميـة وإخباريـة وحواريـة
سـريعة يسـتخدمها الأفـراد والمنظمـات العامـة والخاصـة لمتابعـة مـا يجـري حولهـم ،ولتسـويق
منتجاتهـم وأفكارهـم ،ولـم تسـلم هـذه الوسـائل مـن اسـتخدام التنظيمـات الإرهابيـة ،لترويـج
أفكارهـا وكسـب أتباعهـا ،لمـا تتوافـر عليـه مـن مزايـا تخـدم –دون قصـد -هـذه التنظيمـات
وتتماهـى مـع طبيعتهـا.
فقـد أصبـح الإرهـاب في الوقـت الراهـن يشـكل تحد ًيـا كبي ًرا لمختلـف دول العالـم ،مـن حيـث
تعريفـه أو ًل ،ثـم مواجهتـه ثان ًيـا فكر ًيـا وأمن ًيـا وإعلام ًيـا؛ خصو ًصـا بعـد ثـورة /الاتصـالات